في ذكرى إجلاء القوات الانجليزية.. المنفي يستجدي تركيا لسحب مرتزقتها.. والمواطن يتحسر على انجازات الفاتح

“إن الشعب الانجليزي يدرك تمامًا بأن قاعدته باتت في حيز العدم بعد ثورة الشعب الليبي”.. هكذا كانت كلمات القائد الشهيد الصائم معمر القذافي، عندما أجبر الانجليز على إجلاء قواعدهم وقواتهم من ليبيا في مثل هذا اليوم منذ 51 عامًا.
ففي 28 مارس 1970، أكد القائد الراحل معمر القذافي مسيرة إنجازاته باستكمال طريق التحرير من كل محتل لليبيا، والذي ناضل الأجداد ودفعوا دماءهم الغالية ثمنا لذلك.. حيث أن ثورة الفاتح التي ولدت من رحم الوطن ومعاناته وضعت تحرير البلاد هدفا أمامها وعملت على العزة ورفضت الخنوع والرضوخ لأي قوة كانت.. فكانت هديتها منذ البدايات طرد المحتلين بكل أجناسهم من ليبيا.
واليوم وفي نفس التاريخ بعد عقد أسود من انهيار النظام الجماهيري واغتيال القائد الوطني معمر القذافي.. يتوجه الليبيون بطلب من المحتلين أن يخرجوا من ليبيا، كما أنهم يتوسلون المجتمع الدولي الذي يحتل الأرض بالأساس بأن يساعده في ذلك، لكي يعم الاستقرار فقط، وليس لكي تتحرر ليبيا من بقايا المحتلين.
ليبيا اليوم تتكلم بصوت المنكسر الذليل وتطلب، بعد أن كان صوتها عال عزيز قوي يأمر.. الفرق بين ليبيا اليوم وليبيا الأمس لا يقارن.. فشتان بين الماضي والحاضر، فهذه فنكبة جلبت المحتلين وتلك كانت ثورة وطنيين طردت المحتلين.
ليبيا اليوم موطئ قدم للجنود والمرتزقة من كل حدب وصوب، بعضهم جاء بعد انهيار الدولة، وبعضهم جلبهم متسلقي السلطة ومدعي الوطنية، وبعد أن أدرك الليبيون جريرة فعلتهم باتوا يتوسلون من خلال رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن سسحب جنوده ومرتزقته من الأراضي الليبية.
ليس وحده من توسل ذلك فأيضا الحكومة الجديدة دعت لذلك حيث أكد المتحدث الرسمي باسم الحكومة محمد حمودة، على ضرورة خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية، مؤكدا تمسك السلطة التنفيذية الجديدة بسيادة الدولة وضرورة خروج المرتزقة.
كما أكدت وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، على ضرورة خروج كافة المرتزقة من الأراضي الليبية، بشكل فوري، مشددة على أن «رفض أي مساس بسيادة ليبيا هو في صلب أساس إستراتيجية عمل الخارجية الليبية».
جميع تلك الكلمات الرسمية من المسؤولين الليبيين الجدد ليست إلا دعوات وطلبات منهزمة، يمكن أن تلقى قبولا أو رفضا من قبل المستنفعين بالبقاء في ليبيا، ولكن في كل الأحوال وفي ظل هذه الظروف لن يخرج محتل من البلاد مادامت حكومتها خانعة ضعيفة، تطلب إجلاء طلبا.
أما الدعوات بخروج خروج المرتزقة والجنود الأجانب من ليبيا، الآتية من خارج ليبيا، ما هي إلا ذر للرماد في العيون، ومحاولة لإخفاء الحقائق والتبرؤ من السعي لاستمرار الوضع في البلاد كما هو عليه.
فمثلا شددت فرنسا مجددًا على ضرورة خروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، حيث أكد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في وقت سابق دعم بلاده للجهود الدولية لإنهاء الأزمة السياسية وإنهاء التدخل الأجنبي في ليبيا، وذلك في رد سريع على إعلان تركيا تمسكها بإبقاء عسكريها في البلاد.
وفي هذا الصدد، كانت تركيا قد ألمحت إلى تهربها من إخراج عناصرها العسكرية الموجودة في ليبيا، مع اتخاذها بالتزامن مع ذلك خطوات عاجلة لسحب مرتزقتها السوريين الموجودين في ليبيا من خلال تسيير عدد من الطائرات التي نقلت المرتزقة السوريين إلى بلادهم أو وجهات أخرى.
ولكن تبقى الدعوات لإخراج كافة المرتزقة والقوات الأجنبية تعلو كل يوم، حيث أكد المبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيش على أن ليبيا يجب أن تكون ذات سيادة كاملة على أراضيها دون أي وجود أجنبي، لافتا إلى ضرورة خروج المرتزقة الأجانب المدعومين من أطراف إقليمية ودولية.
كما أكد مسؤول الشؤون الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أن خروج المرتزقة من ليبيا جزء من مسار الحل السياسي المستدام، مشددا على أن الالتزام بحظر توريد السلاح إلى ليبيا أمر حيوي لتطبيق الحل السياسي.
الأمر لم يختلف كثيرا عند الولايات المتحدة، حيث أكد وزير خارجيتها أنطوني بلينكن، الحاجة للتطبيق الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار والذي يتضمن إخراج كل القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا دون تأخير.
وقد تكون الدعوات لخروج المرتزقة والقوات الأجنبية حقيقية من قبل بعض الأطراف، مثل دول الجوار التي تعد المتضرر الأول من الانهيار الأمني والفوضى في ليبيا، لذلك نجد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد أكد اليوم ضرورة إخلاء ليبيا من المرتزقة وتقويض التدخلات الأجنبية غير المشروعة في الشأن الليبي التي تساهم في تأجيج الأزمة، للمساعدة على الوصول إلى إجراء الاستحقاق الانتخابي في ديسمبر المقبل.
في مثل هذا الوقت كان يفترض بالليبيين الاحتفال بإجلاء القوات والقواعد الإنجليزية كما حدث في مدينة بني وليد، ولكن الغصة في الحلق أكبر، لأن المحتلين اليوم أصبحوا من كل حدب وصوب.