أخبار

فورين بوليسي: قصف الناتو لليبيا عام 2011م يُحتمل أنه قتل ما بين 223 و403 مدنيًا في 212 حدثًا متفرقًا

 

طالب جو دايك، كبير المحققين بشبكة “Airwars” المعنية بمراقبة الخسائر في صفوف المدنيين أثناء الهجمات والحرب الجوية، حلف شمال الأطلسي “الناتو” بالاعتراف بخطأ قتله للمدنيين عندما تدخل في ليبيا عام 2011م، كاشفًا لأول مرة عن العدد التقديري للمدنيين الذين قتلوا على أيدي جميع الأطراف في الحرب الليبية عام 2011م.

وشدد في تقرير مُطول نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية طالعته وترجمته “أوج”، على أنه رغم الخسائر الفادحة الناتجة عن قصف “الناتو”، إلا أن القادة المسؤوليين عن ذلك لا يريدون تحمل المسؤولية حتى بعد مرور عقد على الحرب.

وأشار إلى أنه مّرت 10 سنوات منذ أن أسقط التحالف الذي قاده الناتو أول قنابل على القوات الليبية، ما أدى إلى قلب مجرى الحرب الأهلية في #ليبيا، حيث لعب دورًا حاسمًا في إسقاط النظام الجماهيري.

ولفت إلى أنه لطالما نوقشت نتائج هذا التدخل، حيث نشط المتدخلون الأجانب والمتنافسون المحليون والمتطرفون في الفراغ منذ ذلك الحين، منوهًا بأنه كانت هناك تكلفة مباشرة أكثر في الحرب التي خاضها صراحة بحجة حماية المدنيين، حيث قتلت غارات الناتو الجوية العشرات.

وكشف عن بحث جديد أجرته شبكة Airwars لمراقبة الإصابات المدنية، حيث يعمل هو المحقق الرئيسي، وحدد لأول مرة العدد التقديري للمدنيين الذين قتلوا على أيدي جميع الأطراف في حرب 2011م، مؤكدًا أنه لم تتلق أي من العائلات التي قتل بعض أفرادها تعويضات أو اعتذارا.

وقال: “بينما يصر الناتو على أنه اتخذ خطوات لتجنب قتل المدنيين، عندما كانت هناك مزاعم عن وقوع إصابات، كان لديه آليات محدودة للتقييم على الأرض، حيث قال مسؤول سابق إنه (ليس لديه أي فكرة حقًا)، وبدلاً من ذلك، وجد أولئك الذين يسعون للحصول على اعتذار أنفسهم محاصرين في كابوس لا يقدم فيه #الناتو نفسه مدفوعات تعزية ولكنه يصر على ضرورة السعي وراء المساءلة من الدول الفردية”.

وأضاف: “ومع ذلك، حتى بعد عقد من الزمان، لا تزال دول مثل المملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة ترفض قبول المسؤولية العامة عن أي ضرر تسببوا فيه”.

وسرد دايك، قصة مواطن ليبي يدعى عطية الجويلي، مؤكدا أنه قد لا يعرف أبدًا البلد الذي قتلت قنبلته الموجهة بالليزر ابنته الصغيرة، قبل أن يشير إلى أنه قد يكون طيارًا بريطانيًا أو فرنسيًا أو أمريكيًا هو الذي ضرب، ولكن حتى يكتشف ذلك، فإن آمال عائلته في العدالة معلقة إلى الأبد.

وأوضح، أن عائلة الجويلي وعددا قليلا من الأشخاص الآخرين كانوا قد لجأوا إلى قرية “ماجر” في شمال ليبيا قبل أسابيع قليلة من الضربة القاتلة، بعد فرارهم من الحرب البرية بين قوات النظام الجماهيري والمتمردين المدعومين من الناتو، مضيفا: “كان شهر رمضان، لذلك استمرت الصلاة حتى وقت متأخر من المساء. بعد ذلك دخلت النساء والأطفال، بينما جلس الرجال في الدردشة الساخنة في أغسطس”.

وقال الجويلي لـ”فورين بوليسي”: “كان كل شيء أسود، لم نتمكن من رؤية أي شيء، بعد أن هدأ الدخان، اتضح أن الطابق الثاني قد دمر”، مضيفا: “اندفع الرجال إلى الأمام بحثًا عن ناجين بين الأنقاض، بعد خمسة عشر دقيقة، قتلت غارة أخرى العديد من رجال الإنقاذ”.

ووفقا لما نقله دايك، فإن جويلي بحث بشكل محموم عن ابنته أروى البالغة من العمر عامين، ووجدها في نهاية المطاف هامدة تحت الأنقاض؛ حيث قال: “الحمد لله جسدها لم يتشقق”، منوها بأن الأمم المتحدة خلصت في وقت لاحق إلى مقتل 34 مدنيا في ماجر تلك الليلة، بمن فيهم أروى ابنة جويلي.

وقال الجويلي: “رسالتي إلى الناتو هي نعم، تحدث أخطاء، لكن يجب تصحيح مثل هذه الأخطاء، أشعر أننا عوملنا كما لو كنا لا شيء ولم ينظروا إلى الوراء، آمل أن نحقق العدالة عندما تقف ليبيا على قدميها”.

وقال دايك: “كان تدخل الناتو في ليبيا لمدة سبعة أشهر عام 2011م، ظاهريًا لحماية المدنيين، وأدى حملة قصف دولية لاحقة، وادعى أنه اتخذ خطوات مهمة لتجنب قتل المدنيين، وفي نهاية الحرب، تفاخر رئيسها أندرس فوغ راسموسن بعدم وقوع خسائر مدنية مؤكدة بسبب الناتو”.

وأردف: “كشفت جماعات حقوق الإنسان ومحققو الأمم المتحدة على الأرض قصة أكثر تعقيدًا. ووجدوا حالات متعددة لأضرار مدنية، وخلصت لجنة تابعة للأمم المتحدة إلى أن التحالف قتل 60 مدنياً على الأقل في الأحداث العشرين التي حققت فيها اللجنة”.

واستدرك بأن بحثا جديدا من Airwars خلص إلى أن الرقم قد يكون أعلى من ذلك، موضحا أن ضربات الناتو في حرب 2011م، أسفرت عن مقتل ما بين 223 و403 مدنيين محتملين في 212 حدثًا مثيرًا للقلق تمت مراجعتها.

وادعى أن هذا العدد ضئيل مقارنة بعمليات القتل التي ارتكبتها قوات النظام الجماهيري، زاعما مسؤوليته عن مقتل ما بين 869 و1999 مدنيًا، فيما أسفرت أعمال المتمردين عن مقتل ما بين 50 و113، على حد قوله.

وأردف: “ارتكب المتمردون فظائع، فقتلوا 24 مدنياً على الأقل بينما أجبروا جميع سكان تاورغاء البالغ عددهم 48 ألفاً على الفرار بعد اتهامهم بالتعاطف مع القذافي”، ناقلا عن جبرائيل فرج، وهو رجل من البلدة، تصريحه لمجلة “فورين بوليسي”، إن أكثر من 100 رجل اعتقلتهم قوات المتمردين ما زالوا في عداد المفقودين، بما في ذلك شقيقه، منوها بأن تاورغاء لا تزال مهجورة إلى حد كبير بعد عقد من الزمان.

وأكد أن السلطات الليبية ما بعد الصراع، أثبتت أنها غير قادرة أو غير مهتمة بتحقيق العدالة ناقلا عن مسؤول سابق بالحكومة الليبية، اشترط عدم الكشف عن هويته، إن حكومة ما بعد القذافي الأولى أنشأت آلية لتعويض الضحايا لكنها أوقفتها مع انزلاق البلاد أكثر في الحرب في عام 2014م.

ونقل عن الميجور جنرال المتقاعد بالجيش البريطاني روب ويغيل، رئيس عمليات قوة المهام المشتركة أثناء الحرب، قوله في مقابلة شخصية، إنهم في مناسبة أو اثنتين وجدوا أخطاءً، لكن بالنسبة للأحداث الأخرى، بما في ذلك هجوم ماجر الذي قتل الشابة أروى، رأوا أن أفعالهم كانت مبررة.

وقال ويغيل: “أعرف حقيقة أن حزمة الاستهداف والبيانات وكل ما تم توجيهه نحو ضرب تلك الأهداف كان دقيقًا بما فيه الكفاية، حتى الهجوم الثاني لحلف شمال الأطلسي في ماجر، والذي أسفر عن مقتل العديد ممن هرعوا لإنقاذ الجرحى، كان له ما يبرره”.

وواصل: “مع خوض الحملة الجوية بشكل حصري تقريبًا، لم يكن لدى الناتو آليات على الأرض لقياس الأضرار التي لحقت بالمدنيين بعد الضربة”، موضحا أن ويغيل وصف محادثة أجراها مع القائد الأعلى للحلفاء في #أوروبا، الأدميرال الأمريكي جيمس ستافريديس، بعد الحرب، وكان سؤاله “ما هو مستوى الثقة لديك أنك لم تقتل الناس؟” ليفاجأ بقوله “مستوى صفر من الثقة”.

وأضاف ويغيل: “إذا نظرت في عيني وقلت هل كانت هناك أية مهام قمت بها خارج توجيه الاستهداف لم تكن قانونية؟ سأقول، لا الآن، هل قتلنا المدنيين؟ محتمل”، مردفا: “لقد أصبح الاعتراف بقتل المدنيين من المحرمات العسكرية لفترة طويلة”.

وذكّر بأن وزارة الدفاع الأمريكية معترفة بأن قواتها قتلت أكثر من 1300 مدني في حملة التحالف التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش، على الرغم من أن هيئات المراقبة مثل Airwars تقدر أن العدد الحقيقي أعلى بكثير.

ونوه بأن ضحايا ضربات الناتو في ليبيا يجدون أنفسهم عالقين في مأزق إذا أرادوا الاعتذار، حيث يجب أن يعرفوا الدولة التي نفذت الضربة، لافتا إلى أن الدول تختبئ وراء إخفاء هوية التحالف، مذكرا بأن ثماني دول من الناتو نفذت غارات جوية في ليبيا خلال عام 2011م، وهى بلجيكا وكندا والدنمارك وفرنسا وإيطاليا والنرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.

وأوضح أن Airwars قدمت طلبات حرية المعلومات والأسئلة الصحفية لكل منها بخصوص الضربات الفردية التي قيل إنها قتلت مدنيين، بما في ذلك في ماجر، وقدمت الدنمارك والنرويج معلومات جزئية، بينما لم ترد جميع الدول الأخرى أو امتنعت عن الإجابة بحجة المسؤولية الجماعية، في حين قال الجيش الأمريكي إن جميع الأسئلة يجب أن يجيب عليها الناتو.

وبّين دايك أن المتحدثة الحالية باسم الناتو أوانا لونجيسكو، لم تستجب لطلبات حول حوادث محددة، وكتبت عبر البريد الإلكتروني: “الناتو كمنظمة لا يقدم تعزية أو إكراميات”.

وأضافت: “كبادرة تطوعية لتخفيف معاناة المدنيين، دفع حلفاء الناتو مبالغ مالية لضحايا العمليات العسكرية في أفغانستان أو سوريا أو العراق، وليس لدينا أي سجلات عن قيام الحلفاء بدفع مدفوعات فيما يتعلق بعملية ليبيا”.

وبحسب التقرير، أصرت لونجيسكو على أن الناتو ليس لديه تفويض للتحقيق داخل ليبيا بعد انتهاء حرب 2011م، منوها بأن السلطات الليبية في ذلك الوقت كانت بصدد إنشاء آلياتها الخاصة لمراجعة الحوادث التي أثرت على المدنيين، ولكنها لم تقبل عرضا لدعم هذه العملية من حلف شمال الأطلسي.

واعتبر دايك، أنه من الناحية النظرية، فإن الائتلافات الدولية مثل الناتو تدور حول المسؤولية الجماعية، جازما بأن كلا من حلف شمال الأطلسي والدول الأعضاء منفردة يعرفون الدول التي نفذت الضربات التي أدت إلى إلحاق ضرر بالمدنيين في ليبيا.

وتابع: “يشير كتاب (حماية المدنيين) الجديد الصادر عن الناتو في 11  مارس إلى الحاجة إلى (منع، والتعرف على، والتحقيق، وتتبع حوادث الخسائر المدنية الناجمة عن أفعالنا، مع توفير التعويض نتيجة لهذه العمليات)، ومع ذلك، فإن عقدًا من الصمت بشأن ليبيا يشير إلى أن حلف شمال الأطلسي ليس لديه رغبة حقيقية لاتباع هذا المسار”.

ورأى أن بعض الحالات كانت سهلة الاعتذار، مشيرا إلى انفجار قنبلة في منزل عائلة الغراري في طرابلس صباح 19 الصيف/يونيو 2011م، مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص، وأعلن الناتو على الفور عن فشل نظام الأسلحة الذي تسبب في عدم إصابة السلاح بالهدف المقصود، فيما أفادت التقارير أنه أدى إلى سقوط عدد من الضحايا المدنيين.

وتابع: “لكن الاعتذار باللغة الإنجليزية على بعد قارة ضاع في فوضى حرب ليبيا عام 2011م”، منوها بأن محمد الغراري، الذي كانت شقيقته وطفلاها من بين القتلى، قرر الكفاح من أجل الاعتذار لكنه سرعان ما علم أنه لا يوجد طريق واضح للعدالة، معلقًا: “بدون معرفة الدولة التي أسقطت القنبلة، لم يستطع حتى طلب تعويضات أو دعم طبي لمن أصيبوا في هجوم الناتو”.

وأردف: “في يأس، سافر الغراري أخيرًا إلى بروكسل، موطن مقر الناتو، ودفع لمحامي بلجيكي آلاف اليوروهات في محاولة عقيمة لمعرفة ما يعرفه التحالف عن مأساة عائلته، بما في ذلك الدولة التي قتلتهم”، معلقا: لقد ضاع المال منذ فترة طويلة، لكن هذه المعلومات لا تزال سرية.

واختتم بالقول: “الغراري الذي يتحدث مؤخرا من ليبيا، غاضب لأنه قد لا يُسمح له أبدًا بمعرفة أي دولة مسؤولة، ويقول إنهم يختبئون وراء إخفاء هوية الناتو، على هذه الدولة مساعدة الجرحى وتعويضهم في أسرع وقت ممكن”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى